Physical Address
304 North Cardinal St.
Dorchester Center, MA 02124
ما هو حكم الهجرة الى بلاد الكفر، فالهجرة إلى بلاد غير المسلمين قد أصبحت منتشرة جدًّا في الأوقات الأخيرة نظرًا لما تمر به كثير من البلدان حول العالم الإسلامي من أزمات وحروب، فيُضطرّ كثير من الناس إلى السفر إلى البلاد الأجنبية للعيش فيها، فما هو حكم الإقامة في تلك البلاد وأهلها على غير الإسلام، في هذا المقال سوف تكون هنالك وقفة مع بيان الحكم الشرعي لهذه المسألة وغيرها مما يتعلق بها.
قال بعض أهل العلم إنّ حكم الهجرة إلى بلاد الكفر لا تجوز إلّا أن يكون المسلم قد حقّق ثلاثة شروط هي:[1]
فالإقامة في بلاد الكفر فيها من الفساد والضلال ما يمكن أن يضيّع به المرء دينه؛ فمجاورة الكفّار إذا لم يأمن المرء فيها على نفسه فهي حرام، فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}،[2] وفي تفسير هذه الآية قيل إنّها عامّةٌ لكلّ من أقام مع الكافرين وهو يستطيع الهجرة ولم يستطع إقامة الدّين، فبذلك يكون قد ظلم نفسه وارتكب حرامًا، والله أعلم.[1]
قال أهل العلم إنّه لا يجوز الهجرة إلى بلاد الكفّار طلبًا للرزق، فإنّها ليست حاجة مهمّة تستحق فعل هذا الأمر، فقد رخّص العلماء الهجرة إلى بلاد الكفّار عند الحاجة المهمة والضرورة الملحّة فقط، أمّا ما دون ذلك فلا يجوز، وذلك اجتنابًا للاختلاط بهم وما يترتب على هذا الاختلاط من رؤية المنكراتُ، كما أنّ المسلم سوف يُجبر على التعامل معهم بحسب قوانينهم والتي لا تتماشى مع تعاليم الإسلام،[3] فمن أراد رزقًا من بلاد الكفار، فليتذكر قوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}،[4] والله أعلم.[3]
لقد وردت عدة أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- تنهى عن الإقامة في بلاد الكفر، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تنقطعُ الهجرةُ حتَّى تنقطعَ التَّوبةُ ولا تنقطعُ التَّوبةُ حتَّى تطلعَ الشَّمسُ من مغربِها”،[5] وفي هذا الحديث دليل على أنّ الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإيمان لا تتوقف، والمسلم مأمور بالخروج من بلاد الكفر إلى بلاد الإيمان، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: “أنا بريءٌ من كلِّ مسلمٍ يقيمُ بين أظهُرِ المشركينَ . قالوا : يا رسولَ اللهِ بمَ ؟ قال : لا تَراءَى ناراهُما”،[6] ومعنى الحديث -كما قال بعض العلماء- هو أنّ المسلم بالإقامة الدائمة في بلاد الكفر يشابه أهل تلك الديار، والله أعلم.
قال بعض أهل العلم إنّ حكم العيش في بلاد غير المسلمين متوقّف على حال المسلم المقيم هناك، فإن كان المقيم يأمن على دينه، ويقيم شعائر الدين ولديه من العلم ما يجعله يدفع الشبهات، فيجوز له الإقامة في بلاد الكفر، وأمّا إن كان المقيم لا يأمن على دينه، ولا يمتلك من العلم ما يدفع به الشبهات، فلا يجوز له الإقامة بين أظهر المشركين، والله أعلم.[7]
وفاة المسلم في بلاد الكفر لا شيء فيها، ولا أثر لذلك في الحساب، إنّما العبرة في الحال التي قبض عليها، وإن مات المسلم في بلاد الكفار، فليكن الحرص على دفنه في مقابر المسلمين، وإبعاده عن مقابر الكفار، فإن لم يكن هناك مقابر للمسلمين فليؤخذ إلى أقرب بلد إسلامي وليدفن به إذا أمكن ذلك، وإلّا فيُدفن المسلم حيث توفي، والله أعلم.[8]
إلى هنا يكون قد تم الوصول إلى نهاية مقال حكم الهجرة الى بلاد الكفر، وقد تبيّن فيه وتوضّح أبرز الأحكام المتعلّقة بالهجرة إلى بلاد الكفار والعيش بين ظهرانيهم وغير ذلك من الأمور المتعلقة بهذه المسألة.